The news is by your side.

خطابات قانونية الإمام الخميني (رض): دراسة تحليلية مقارنة مع قضایای حقیقیة المحقق النائيني

مقدمة

أقيمت الجلسة العلمية الأولى ضمن سلسلة جلسات هندسة الفكر الفقهي-الأصولي للإمام الخميني (رض)، بتنظيم من المعهد التعليمي العالي للأئمة الأطهار (ع)، تحت عنوان “دراسة أركان نظرية الخطابات القانونية”. قدّم هذه الجلسة آية الله السيد مجتبى نورمفيدي، مؤلف كتاب “دراسة نظرية الخطابات القانونية”، ورئيس مركز أبحاث الفقه المعاصر. تناولت الجلسة نظرية الخطابات القانونية للإمام الخميني (رض)، مع التركيز على تمييزها عن نظرية القضايا الحقيقية للمحقق النائيني، وإبراز استقلاليتها وأهميتها في فهم كيفية جعل وتشريع الأحكام الشرعية.

أهمية تنقيح آراء الإمام الخميني

أكد آية الله نورمفيدي في بداية حديثه على أهمية تنقيح وتبیین الآراء الفقهية والأصولية للإمام الخميني (رض)، مشيرًا إلى أن بعض التفسيرات المقدمة حول مبادئه الفكرية، مثل نظرية الخطابات القانونية ودور الزمان والمكان في الاجتهاد، قد أُسيء فهمها أو أُخذت في مسارات غير صحيحة. وأوضح أن هذه التفسيرات، سواء من تلاميذ مباشرين أو غير مباشرين، كانت بعيدة عن عمق رؤية الإمام. وشدد على أن الادعاء بأن نظرية الخطابات القانونية هي مجرد نسخة مطورة أو مصححة من نظرية القضايا الحقيقية للمحقق النائيني “غير مقبول على الإطلاق”، ويعكس سوء فهم لهذه النظرية المهمة.

محور النقاش: نظرية الخطابات القانونية

أشار نورمفيدي إلى أن نظرية الخطابات القانونية ليست مجرد تكميل أو تحسين لنظرية القضايا الحقيقية، بل هي نهج مستقل يهدف إلى توضيح كيفية توجيه الخطاب الشرعي إلى “العموم” أو “المجتمع” بطريقة تتماشى مع منهج العقلاء في التشريع، دون الحاجة إلى افتراضات معقدة مثل تنزيل المعدومين.

الأسس الثلاثة لفهم التشريع

قسم نورمفيدي المباحث المتعلقة بالحكم الشرعي إلى أربعة محاور رئيسية:

  1. حقيقة الحكم الشرعي.

  2. أقسام الحكم الشرعي.

  3. قلمرو الحكم الشرعي.

  4. كيفية جعل وتشريع الأحكام الشرعية.

وأكد أن فهم كيفية التشريع له تأثيرات عميقة على علم الفقه وفروعه. وفي إطار هذا المحور، هناك ثلاثة مباحث رئيسية:

  • متعلق الأوامر والنواهي: هل المتعلقات طبائع أم غيرها؟

  • القضايا الحقيقية: ما معنى جعل الأحكام بصيغة القضايا الحقيقية؟

  • الخطابات القانونية: كيفية جعل الأحكام بأسلوب الخطابات القانونية.

وأوضح أن هذه المباحث مترابطة ولكنها تنظر إلى التشريع من زوايا مختلفة، ولا ينبغي الخلط بينها.

التمييز بين رؤية الإمام والمحقق النائيني

أشار نورمفيدي إلى أن هناك تفسيرات خاطئة لمبادئ الإمام، مثل دور الزمان والمكان في الاجتهاد، وأن الخطابات القانونية تواجه خطر التفسير الخاطئ أيضًا. ورفض الادعاء بأن نظرية الخطابات القانونية هي مجرد تصحيح لنظرية القضايا الحقيقية للمحقق النائيني، موضحًا الفروق الأساسية بين الرؤيتين:

فروق القضايا الحقيقية عند النائيني

استنادًا إلى كلام المحقق النائيني، تتميز القضايا الحقيقية عن الخارجية بالنقاط التالية:

  1. الموضوع: في القضايا الخارجية، الموضوع هو الأفراد، بينما في القضايا الحقيقية، الموضوع هو الطبيعة بما أنها مرآة للأفراد.

  2. الانحلال: القضايا الحقيقية تنحل إلى عدد الأفراد.

  3. التحويل إلى قضية شرطية: القضية الحقيقية تنحل إلى قضية شرطية، مثل: «إذا فرض في الخارج شيء صدق عليه أنه خمر فهو حرام».

فروق رؤية الإمام الخميني

قدّم الإمام الخميني (رض) رؤية مختلفة تحمل ثلاثة اختلافات رئيسية عن النائيني:

  1. موضوع الطبيعة: يرى الإمام أن الموضوع في كل من القضايا الحقيقية والخارجية هو الطبيعة، لكن في القضايا الخارجية تكون مقيدة بوجود الأفراد في الخارج. ويرفض الإمام تعلق الحكم بالأفراد الذهنية أو الخارجية، معتبرًا أن الطبيعة متحدة مع الأفراد وليست مرآة لهم، وذلك بناءً على مبحث الإطلاق والتقييد.

  2. نفي الانحلال: يعارض الإمام فكرة انحلال الخطاب إلى عدد الأفراد، وهذا أحد أسس نظرية الخطابات القانونية.

  3. نفي التحويل إلى قضية شرطية: يرفض الإمام تحويل القضية الحقيقية إلى قضية شرطية.

الخطابات القانونية: التركيز على المخاطب

أكد نورمفيدي أن نظرية الخطابات القانونية لا تهدف إلى استبدال القضايا الحقيقية أو تحسينها، بل تنظر إلى زاوية مختلفة تتعلق بـ المخاطب في الخطاب الشرعي. فهي تسأل: هل الخطاب موجه إلى الأفراد أم إلى العموم/المجتمع؟ وأوضح أن توجيه الخطاب إلى الأفراد مع افتراض الانحلال يتطلب فعلًا زائدًا وعديم الجدوى، لأن الشارع يمكنه تغطية جميع الحالات والأفراد بخطاب واحد، على غرار منهج العقلاء في التشريع، دون الحاجة إلى افتراضات معقدة مثل تنزيل المعدومين.

وأضاف أن هذه النظرية تقوم على أن منهج الشارع في التشريع يشبه منهج العقلاء، حيث يوجه القانون إلى العموم والكل، مما يحل مشكلة شمول الحكم على المعدومين بسهولة دون الحاجة إلى تعقيدات. وأشار إلى أن الخطابات القانونية لا تقتصر على قالب معين، بل يمكن أن تتحقق في صيغ القضايا الحقيقية أو الخارجية (مثل الأمر بجهاد معين)، مما يظهر استقلالها وعدم انحصارها في نوع واحد من القضايا.

الهدف من الخطابات القانونية

ختم نورمفيدي حديثه بالتأكيد على أن نظرية الخطابات القانونية تركز على زاوية المخاطب في القضايا الفقهية، وتهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين القانون (الشارع) والقانون‌پذیر (المخاطب) بما يتماشى مع المنهج العقلائي في التشريع، دون أن ينفي ذلك الحق الذاتي لله في التشريع. الهدف هو توضيح كيفية جعل الحكم بطريقة تجمع بين المولویة والعبودية وبين المنهج العقلائي في التشريع.