The news is by your side.

آية الله السيد مجتبى نور مفيدي في درس البحث الخارج: رمضان فرصة للعودة إلى التوحيد

 

آية الله السيد مجتبى نور مفيدي في درس عشية شهر رمضان المبارك

 

في شهر رمضان هيأ الله أجواء مناسبة جداً للفحص الروحي وتحسين الصحة الروحية للإنسان، وهذا من أعظم نعم الله٠

 

إن مشقة تطهير القلب والروح من التلوث الأخلاقي أعظم بكثير من مشقة الجوع والعطش، فالكثيرون يستطيعون تحمل الجوع والعطش، ولكنهم لا يملكون القوة لتطهير الروح، ومن يموت بالتلوث الروحي من الرذائل الأخلاقية فإنه يعذب بهذه التلوثات في عالم البرزخ٠

 

إن ما قيل عن أن أبواب السماء تُفتح في أول ليلة من رمضان ولا تُغلق إلا في آخر ليلة يعني أنه بالإضافة إلى المغفرة الإلهية ومغفرة الذنوب، فإن إمكانية فتح عيون القلب على عالم السماء تكون متاحة بشكل أكبر٠

 

ومن أبرز الأعمال في هذا الشهر الاهتمام بأحزان وآلام الآخرين ومحاولة فك عقدة الناس المادية والروحية. وإن على رجال الدين واجباً تجاه كلا الاتجاهين٠

 

أود أن أقول بضع كلمات عن هذا الشهر والواجبات الملقاة على عاتقنا، واستودعكم جميعاً الله تعالى وأسألكم الدعاء. إن شهر رمضان الذي ذكرت له خصائص بارزة هو شهر مهم جداً لصحة النفس والجسد البشري. هذه من نعم الله أن في هذا العالم الوفير وعالم الطبيعة والمادة، الذي يمكن أن يكون لصاً للإنسان في كل زاوية، وفي كل مكان، وفي كل لحظة وفي كل وقت، ويغمر عقلنا وروحنا في مظاهر هذا العالم، ويصرف انتباهنا عن الله تعالى ويبعدنا عن التوحيد؛ لقد أعطانا الله فرصة ووقتاً في شكل أمر وواجب للعودة إلى أصلنا، لقد أعطانا فرصة لتطهير أنفسنا، واستعادة أنفسنا، والعودة إلى التوحيد، هذه فرصة استثنائية ونعمة خاصة من الله٠

 

قد يظن البعض للوهلة الأولى أن الجوع والعطش مصحوبان بالمشقة، ومن الطبيعي أن يقاوم الإنسان الشهوات، عندما تكون لديه الرغبة في الأكل، عندما تكون لديه الرغبة في الشرب، عندما تكون لديه الرغبة في بعض الملذات الدنيوية، من الصعب الوقوف ضد هذه الرغبات الداخلية وعدم تحقيق الرغبات المشروعة للروح. إن رغبات النفس المشروعة قد تتحول أحياناً إلى رغبات غير مشروعة في شهر رمضان، فشرب الماء الذي هو مشروع لا يجوز في يوم من أيام رمضان، وهذا التقييد والمشقة والشدائد هدفها إرجاع الإنسان إلى الله تعالى والعودة إلى طريق السعادة والهداية، لذلك من هذا المنطلق يجب أن نكون شاكرين، وأن نستغل سعة هذا الشهر وفرصته حتى لا يؤدي بنا استمرار التلوث الروحي والأمراض الروحية لا قدر الله إلى نقطة لا رجعة فيها، فعندما يصاب جسم الإنسان بآفة، إذا تم التعرف عليها مبكراً يمكن علاجها، ولكن إذا بقيت مخفية وتعمقت، تصل إلى مرحلة لا يمكن علاجها بعد ذلك، آفات النفس هي نفسها، شهر رمضان هو في الواقع فحص روحي سنوي، أي أن الله يدعو جميع عباده لفحص أنفسهم خلال شهر رمضان، وهو نداء عام، مثل بعض برامج الفحص التي تفحص صحة العين عند الأطفال أو مرض السكري أو ضغط الدم. وهذا أيضاً فحص روحي، بشرط أن ننتبه إلى فلسفة شهر رمضان وأهميته وهدفه وغايته٠

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام اختبار لإخلاص الناس، وبمعنى أدق هو اختبار لتطهير الخلق، حتى يتطهر الإنسان من هذه الشوائب، والتطهير ممكن مع هذه المشقات، وبدون هذه المشقة لا يمكن للإنسان أن يتحرر من هذه الشوائب. إذا استمرت روتين الحياة على نفس الأساس، يأكل الإنسان ويشرب ويعيش كما يفعل طوال الوقت، ويفعل الشيء نفسه خلال هذه الفترة، فلن يغير هذا شيئًا؛ الامتناع عن الطعام أثناء الأمراض الجسدية هو أحد طرق التخلص من المرض. يُقال للشخص المريض ألا يأكل هذا الطعام، بل يأكل ذلك الطعام، وبالتالي يعطونه الدواء. كل الامتناع الموصى به في رمضان هو للتطهير الروحي وحتى الجسدي، للإخلاص، للتطهير. يقول الطبيب لا تأكل هذا الطعام، إذا أكلته لن تشفى، ويجب أن تنتبه إليه. النفس البشرية كذلك، هذه الامتناعات التي يجب على الإنسان أن يفعلها في رمضان هي من أجل شفائه وإبعاد نفسه عن الفيروسات غير الصحية للنفس التي أصيب بها٠

 

بالإضافة إلى توفير هذه القدرة، أعطى الله الإنسان أيضًا بعض المكافآت والمزايا، وكأنه يقول: يجب عليك الامتناع حتى تطهر، ثم لتشجيع الناس على هذا الطريق، قال إن الأعمال الصالحة تضاعف في هذه الأيام ويطهر الله جميع ذنوبنا٠

 

يقول رسول الله: “شهر رمضان شهر الله عز وجل، وهو شهر يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو السيئات، وهو شهر البركات”. إذا دخل شخص في برنامج الفحص الروحي هذا، جعله الله كمن ولد للتو، “يمحو السيئات فيه”. يطهر كل شوائبه الروحية، وكل ذنوبه، وكل تلك البقع السوداء التي كانت فيه تصبح بيضاء. “يمحو فيه السيئات”. في ذلك الوقت تصبح حسناته بارزة وعظيمة، وهذا يشمل كيانه بالكامل. هذه نعمة خاصة أنعم بها الله تبارك وتعالى على الإنسان٠

 

لذلك ينبغي للإنسان في هذا الشهر أن يفكر في الاعالي، وليس فقط التطهير الروحي، بل وأيضاً النمو والتسامي في التطور؛ فالفرق بين أن يكون الإنسان سليماً فقط أو يصبح سليماً جداً، قوياً، متمكناً، خالداً، أي أنه يرفع أفق حركته وأفق غايته إلى أعلى بكثير٠

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تُفتح أبواب السماء في أول ليلة من شهر رمضان ولا تُغلق إلا في آخر ليلة منه٠

 

ماذا يعني هذا الفتح للأبواب؟ إن جزءاً من أبواب الرحمة الإلهية هو تطهير الذنوب، وجزء منها هو أبواب صعود الإنسان. ولكي يكتسب الإنسان البصيرة، ويرفع فكره وعقله وروحه فوق مستوى حياته الخاصة، ويصل إلى الحقائق العليا، ويجد الطريق إلى السماء، فإن هذا الطريق مفتوح. أليس هذا نعمة؟ أليس هذا منحة؟ ولكي يتوقف مسار المرض، فكل هذه المكافآت والجوائز لمن أراد أن يجعل نفسه سليماً، ليس سليماً فحسب، بل قوياً أيضاً، ليصبح بطلاً٠

 

لذلك، فمن الواجب علينا أن نستغل هذه الفرص وهذه النعم إلى أقصى حد، وأن لا نقضيها ـ لا قدر الله ـ وحيدين في الجوع والعطش. فلنحاول أن نجعل قلوبنا سليمة، ونبعد أرواحنا عن الكآبة والضغائن والحسد والسوء والشبهات، فكلما كان قلب الإنسان ونفسه سليمين، كان برزخه أفضل. فهل نريد أن يخف عذابنا في البرزخ؟ وهل نريد أن نكون في الروح والريحان في البرزخ؟ على كل حال، يجب أن ننتبه إلى استغلال الفرص في هذه الأيام، وإذا أردنا أن نعيش حياة سلمية في الدنيا والآخرة، فلا سبيل غير هذه التطهيرات الروحية٠

 

إن برزخنا، وطريقة موتنا، وأسرار الموت، وعالم القبر والبرزخ، وهكذا إلى يوم القيامة، كل ذلك يتوقف على الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وحياتنا في هذا العالم. فالإنسان الذي يعيش في حسد ويتألم، ينتقل هذا العذاب معه إلى عالم البرزخ ويتألم هناك أيضًا. وإذا أردنا أن نعيش براحة، ونريد أن نموت براحة، ونريد أن يمر البرزخ بسهولة، فلابد أن نغير قلوبنا وأرواحنا إلى صبغة إلهية. فالقلب الطاهر والقلب السليم والنفس الإلهية لا يمكن أن يجتمعا مع هذه الانشغالات والمتاعب التي خلقناها لأنفسنا، والحسد، والعكارة، والمنافسة غير الصحية. فالجوع والعطش هما من أجل أن تبلغ أرواحنا الصحة بالمعنى الحقيقي للكلمة٠

 

إن من ضمن العمل بطبيعة الحال، بالإضافة إلى أنفسنا، التعامل مع الآخرين، والتبليغ بالدين، ليس فقط بالكلام بل بالأفعال أيضاً، وهو أهم ما يمكن أن يساعد في تقوية الدين والعقيدة، وأفعالنا، وسلوكنا في هذه الظروف. فبالأخلاق الحميدة، والسلوك الحسنة، والسلوك اللائقة مع الناس، ومتابعة عمل الناس، وحل عقدة عمل الآخرين، ولو بالكلام فقط، نعم، قد لا يتمكن الكثير منا من حل مشاكل الناس، ولكن باللسان يمكننا مساعدة الناس ومرافقتهم وإعطائهم الأمل في هذه الظروف الصعبة والعديد من الأمور التي تحتاج الآن إلى معالجة في مكانها الخاص. وهذا واجب أيضاً. لا نتصور أننا يجب أن نحمل كل همومنا وأحزاننا على أنفسنا، كل في مكانه الخاص، يجب أن نعتني بأنفسنا والآخرين، يجب أن نجمع بين هذا وذاك، فكما أن سعادتنا وصحتنا العقلية مهمة بالنسبة لنا، يجب أن تكون سعادة الآخرين وصحتهم العقلية مهمة بالنسبة لنا أيضاً٠

 

نسأل الله التوفيق للجميع، ونسأل جميع السادة الدعاء٠

 

الكلمات المفتاحية: الإخلاص، نعمة الله، إعطاء الأمل في الظروف الصعبة، البرزخ، النشوء والتطور، الأمراض النفسية، التطهير الروحي، الدعوة إلى الدين من خلال العمل، التوحيد، الحسد والعكارة، أبواب السماء المفتوحة، القلب النقي السليم، الرحمة الإلهية، حسن السلوك والأخلاق، الصوم، التصفية الروحية، شهر رمضان، محو الذنوب، مخالطة الناس، الواجبات الاجتماعية في رمضان٠